تسلّط وثيقة المدينة ، التي وقّعها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ، الضّوء على الماضي المجيد للأمة الإسلاميّة. لقد كانت أول وثيقة مدنيّة من نوعها في التّاريخ، شملت جميع مكوّنات المجتمع المختلفة في المدينة المنوّرة. لقد مهدت الوثيقة الطريق لمستقبل مكرّس لخدمة الإنسانيّة جمعاء، وهو المستقبل الذي أيّدته إحدى أبرز المنظمات الإسلامية في العالم ، وهي رابطة العالم الإسلامي.
لرابطة العالم الإسلامي حضورٌ دوليٌّ قويٌّ ، وتلعب دورًا محوريًا ، ولها قيمة رمزيّة فريدة في نفوس المسلمين بسبب موقعها وقيمتها العلمية والفكرية. تضمُّ المنظمة آلاف العلماء والمفكرين تحت مظلتها ، وتُحظَى بالحبِّ والاحترام من قبل ملايين المسلمين ، وتتبنى نهجًا معتدلًا وحكيمًا .
وقد مكنّها ذلك من تقديم "وثيقة مكة" للعالم
تُحظى وثيقة مكة بتأييد أكثر من 1300 مفتي وعلماء مسلمين ، وقد أُعلن عنها في مؤتمر حضره أكثر من 4500 مفكر إسلامي. يمثل جميع المذاهب والطوائف الإسلاميّة. ينحدرون من 139 دولة .
دعا الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى إلى هذا المؤتمر الإسلاميّ التّاريخي غير المسبوق ، وعُقد في مدينة مكة المكرمة ، في مايو 2019 ، تحت عنوان "قيم التّوازن والعطاء". الاعتدال في القرآن والسّنة "برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود .
تمَّ الاعتراف بوثيقة مكة والموافقة عليها من قبل جميع الدّول الإسلاميّة خلال الدّورة السّابعة والأربعين لمجلس وزراء الخارجيّة لمنظمة التعاون الاسلامي الذي عقد في نوفمبر 2020 ، في نيامي ، النيجر. وبالمثل ، فقد نالت ثناءً عالياً في العديد من الفعاليات والمؤتمرات الدوليّة ، وحصلت على دعم العديد من المؤسسات السّياسيّة والدينيّة حول العالم ، واعتبرت الوثيقة لهذا العالم والأجيال القادمة من أجل السلام والتضامن ، وقد احتفى بها وتم تكريمها من قبل جائزة الملك فيصل لخدمتها للإسلام .
تدعو المواد التّسع والعشرون من وثيقة مكة المكرمة إلى ترسيخ قيم التّعايش وتحقيق السّلام بين مختلف مكوّنات المجتمع. تعرض وثيقة مكة العديد من المبادئ الإسلاميّة التي تسلط الضّوء على رؤية متجذّرة ومتجدّدة لحل القضايا النّاشئة ، وغرس الشّعور بالحب والتّعاون ، وتعزيز قيم الحوار والتّعايش والاعتدال والاحترام المتبادل التي تشكل جميعها جزءًا من التعاليم الاسلامية ؛ و تتماشى مع تعاليم الدّيانات السّماويّة الأخرى .
تغطي وثيقة مكة مجموعة واسعة من القضايا ؛ وتدعو إلى سن قوانين من شأنها مكافحة مروجي الكراهيّة والذّين يحرضون على العنف والصراع. وتقف بحزم في وجه الانتّهاكات التي تتعرّض لها حقوق الإنسان بمعناها الشّامل ، و ضد الإرهاب والتّطرف ، وتعالج أمراض المجتمع والأزمة الأخلاقيّة التي تواجهها البشريّة نتيجة الآثار السّلبيّة للعولمة
تعتبر وثيقة مكة أن إساءة استخدام الموارد الطّبيعية أو أي فعل يضرُّ بالبيئة يعدُّ تعديًا على حقوق الأجيال القادمة. وتؤكّد على ترسيخ قيم العدل والسّلام والتّعايش الدّيني والثّقافي في المجتمعات البشريّة .
وتشجّع العالم الإسلامي على الانخراط مع المجتمع الدّولي من خلال التّقارب وبناء جسور الاحترام والوئام ، وكذلك من خلال تكوين شراكات حضاريّة إيجابيّة تقوم على الحوار والتفاهم والاحترام المتبادل لخدمة البشريّة والإسهام في رفاهيتها. كما تدعو إلى معالجة قضايا العنصريّة وكراهيّة الإسلام .
تؤكّد وثيقة مكة على أهميّة احترام المواطنة الشّاملة ، وإظهار الولاء الحقيقي والصّادق للوطن ، والحفاظ على أمن وسلامة المجتمع ، واعتبار الأشياء التي يعتبرها النّاس مقدّسة أو مقدّمة ، والتّمكين المناسب للمرأة ، ووضع حدٌّ لتهميشها. وأيّة محاولات للتّقليل من كرامتها وتمكين دورها في التّعليم والتنمية المستدامة.
بالإضافة إلى ذلك ، تنص على وجوب توفير الرعاية الكاملة للأطفال في جميع جوانب صحتهم وتربيتهم وتعليمهم ، فضلاً عن تعزيز هويّة الشباب المسلم.
توضّح هذه الوثيقة التّاريخية للعالم من خلال محتواها وبنودها المعاني الحقيقيّة للإسلام ، وهي بمثابة دستورِ دوليّ للتّسامح والتّعايش بين مختلف الأديان والثقافات والأعراق والمذاهب. وثيقة مكة هي خارطة طريق لمستقبل الإنسانية والانسجام بين مكوناته المختلفة. استرشاداً بالطّبيعة الشّاملة للجهود الإسلاميّة المشتركة ، تساعد وثيقة مكة في تفصيل أفضل السّبل لخدمة الإنسانيّة وضمان نجاحها وازدهارها.